زينة الزبيدي
04 Sep
04Sep

في محيط خان بني سعد، أحد أكبر المناطق الزراعية على أسوار العاصمة بغداد والتي تشكل بوابتها القديمة صوب ديالى، تلوح من بعيد أطلال ما يطلق عليه “أبو غريب الصغير”، وهو هيكل مهمل كان يفترض أن يكون مشروعا لسجن حديث، نشأ بفكرة أمريكية في 2006، لكن العمل به سرعان ما توقف بعد عملية خطف المقاول المنفذ للمشروع، وبروز تنظيم القاعدة في منطقة معقدة للغاية شهدت ذروة العنف الطائفي آنذاك.يقول أبو مصعب العبيدي (55 عاما)، وهو مزارع يسكن على بعد 2 كيلومترين، وهو يعاين المبنى المهمل: “نطلق عليه أبو غريب الصغير، والبعض يقول سجن الأمريكان”، في إشارة إلى أن الأمريكان هم من موله في المراحل الأولى.ويتذكر العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المقاول أو صاحب الشركة التي كانت تتولى إنجازه خطف في ظروف غامضة آنذاك، وتوقف العمل به، أي أن سبب التوقف عن العمل كان أمنياً وليس لنقص التمويل”.مع هذا، يستدرك الرجل الخمسيني، أن “موقع السجن القريب من طريق بعقوبة – بغداد القديم، وفي محيط زراعي مفتوح، يمكن تحصينه، ربما هذا كان وراء اختيار الموقع في البداية، لكن لا نعرف أسباب توقف العمل به”، كما يؤكد.وتعاني محافظة ديالى من اضطراب أمني مستمر، ونشاط للتنظيمات المسلحة منذ 2007، وعلى الرغم من أن هناك استقرارا نسبيا للأمن في الوقت الحالي، إلا أن ثمة ثغرات أمنية يستغلها تنظيم داعش بين حين وآخر.وفي شهر تموز يوليو الماضي، وليس بعيدا عن مشروع السجن المهمل، خاضت القوات الأمنية اشتباكات مسلحة مع عناصر من تنظيم داعش الإرهابي في منطقة “خان بني سعد”، أسفرت عن مقتل عنصرين من التنظيم، أحدهما كان انتحاريا يرتدي سترة ناسفة.إلى ذلك، يرى مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى صلاح مهدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السجن الذي تم الشروع ببنائه قبل ما يقرب من عقدين ولم يكتمل، كان خطوة لبناء مركز إصلاحي متكامل وقادر على استقبال الآلاف مع برامج تأهيل تأخذ بنظر الاعتبار نقل التجارب الغربية بشكل مباشر”.ويضيف مهدي، أن “العمل في المشروع بدأ في فترة مضطربة جدا بعد 2007 وتم إنجاز نسبة جيدة، لكنه سرعان ما توقف بسبب ظروف قاهرة أمنيا، وبقي طيلة أكثر من 15 سنة دون إكمال، رغم أنه لو تمّ سيخلق مرونة عالية في نقل آلاف السجناء في محافظات شرق ووسط العراق إليه وتقليل الأعباء على ذويهم في المراجعات الدورية”.ومنذ 2013، طالب محافظ ديالى الأسبق عمر الحميري، وزارة العدل باستكمال مشروع بناء السجن، لافتا إلى أن العمل متوقف به منذ سنوات عدة لأسباب غير معروفة، بالرغم من أن نسبة العمل فيه تجاوزت مرحلة الـ50 بالمئة، وفيما أكد أن المشروع سيوفر سجنا متطورا تتوفر فيه كافة الظروف الإنسانية والتحصينات الأمنية، لفت إلى أن “أغلب المعتقلين في المحافظة يجري نقلهم إلى سجون العاصمة بغداد، ما يؤدي إلى تأخر حسم قضاياهم.وكان وزير العدل خالد شواني، وجه، خلال زيارته محافظة ديالى العام الماضي، باتخاذ الإجراءات اللازمة لغرض الإسراع في تنفيذ المشروع ومعالجة المعوقات، وبما يتطابق مع المواصفات الفنية والإنشائية ووفق ما جاء في بنود العقد وما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجال إيداع النزلاء.من جهته، يذكر النائب مضر الكروي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه تابع ملف هذا السجن منذ سنوات، وقدم “أكثر من دعوة لوزارة العدل باعتبارها المعنية من أجل بيان أسباب عدم إكمال بنائه، خاصة وأن ديالى على سبيل المثال تضطر لنقل أغلب سجنائها المدانين إلى محافظات أخرى لقضاء محكومياتهم، وهذا الأمر يمثل عبئا إضافيا على كاهل الأسر في التواصل مع أبنائهم”.ويضيف الكروي، أن “إكمال سجن خان بني سعد خطوة مهمة، خاصة وأنه يعتمد مسارات حديثة في التأهيل النفسي واعتماد مبادئ حقوق الإنسان ويمكن أن يخفف الضغط عن بقية السجون في ظل اكتظاظ لا يختلف عليه اثنان”.وسجل العراق المرتبة 81 عالميا في معدل اكتظاظ السجون من أصل 164 دولة، مبينا أن “هنالك أكثر من 60 ألف محكوم في السجون الإصلاحية التابعة لوزارة العدل بمعدل اكتظاظ وصل إلى 300 بالمئة.وما من إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب الـ100 ألف سجين يتوزعون على نحو 30 سجنا تابعا لوزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.بدوره، يعد عضو مجلس ديالى أوس المهداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بـ”متابعة ملف سجن خان بني سعد للوقوف على أسباب عدم إنجازه منذ سنوات، وكذلك بحث إمكانية مفاتحة بغداد بذلك باعتبار الملف اتحادياً، وليس خاصا بالحكومة المحلية وفق الصلاحيات”.ويضيف المهداوي، أن “جزءا كبيرا من سجناء ديالى ينقلون إلى سجون وزارة العدل في محافظات عدة”، لافتا إلى أن “إنجاز السجن في خان بني سعد سيؤدي إلى نقلهم لمناطق تسهّل تواصل ذويهم معهم، وإكمال المحاكمات بوتيرة أسرع”.يذكر أن هذا المشروع كان من المشاريع المتلكئة، والتي تم استئناف العمل بها مؤخرا، وفي حال إكماله، فإنه سيسهم في تخفيف مشكلة الاكتظاظ التي تعاني منها السجون والإصلاحيات العراقية.